معهد الخوئي | Al-Khoei Institute

معهد الخوئي | Al-Khoei Institute
  • الإمام الخوئي
  • المكتبة المرئية
  • المكتبة الصوتية
  • المكتبة
  • الاستفتاءات

⁨25- نظرة في القراءات⁩

  • ٦٤٠

نظرة في القراءات‏


——— 148 ———


* تواتر القرآن من الضروريات.


* ليست القراءات متواترة.


* تصريحات أرباب الفن بعدم تواتر القراءات.


* نقد ما استدل به على تواتر القراءات.


* ليست الأحرف السبع هي القراءات السبع.


* حجية القراءات.


* جواز القراءة بها في الصلاة. 


——— 149 ———


 


تصريحات نفاة تواتر القرآن


 قد أسلفنا في التمهيد من بحث «أضواء على القرّاء» بعض الآراء حول تواتر القراءات وعدمه وأشرنا إلى ما ذهب اليه المحققون من نفي تواتر القراءات، مع أن المسلمين قد أطبقوا على تواتر القرآن نفسه. والآن نبدأ بالاستدلال على ما اخترناه من عدم تواترها بأمور: الأول: إن استقراء حال الرواة يورث القطع بأن القراءات نقلت إلينا بأخبار الآحاد. وقد اتضح ذلك فيما أسلفناه في تراجمهم فكيف تصح دعوى القطع بتواترها عن القرّاء. على أن بعض هؤلاء الرواة لم تثبت وثاقته.


الثاني: إن التأمل في الطرق التي أخذ عنها القرّاء، يدلنا دلالة قطعية على أنّ هذه القراءات إنما نقلت إليهم بطريق الآحاد.


الثالث: اتصال أسانيد القراءات بالقرّاء أنفسهم يقطع تواتر الأسانيد حتى لو كانت رواتها في جميع الطبقات ممن يمتنع تواطؤهم على الكذب، فإن كل قارئ إنما ينقل قراءته بنفسه.


الرابع: احتجاج كل قارئ من هؤلاء على صحة قراءته، واحتجاج تابعيه على‏


 


——— 150 ———


ذلك أيضا، وإعراضه عن قراءة غيره دليل قطعي على أن القراءات تستند إلى اجتهاد القراء وآرائهم، لأنها لو كانت متواترة عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لم يحتج في إثبات صحتها إلى الاستدلالو الاحتجاج.


الخامس: ان في إنكار جملة من أعلام المحققين على جملة من القراءات دلالة واضحة على عدم تواترها، إذ لو كانت متواترة لما صح هذا الإنكار فهذا ابن جرير الطبري أنكر قراءة ابن عامر، وطعن في كثير من المواضع في بعض القراءات المذكورة في السبع، وطعن بعضهم على قراءة حمزة، وبعضهم على قراءة أبي عمرو، وبعضهم على قراءة ابن كثير. وان كثيرا من العلماء أنكروا تواتر ما لا يظهر وجهه في اللغة العربية، وحكموا بوقوع الخطأ فيه من بعض القرّاء(1).


وقد تقدم في ترجمة حمزة إنكار قراءته من إمام الحنابلة أحمد، ومن يزيد بن هارون، ومن ابن مهدي‏(2) ومن أبي بكر بن عياش، ومن ابن دريد.


قال الزركشي: -بعد ما اختار أن القراءات توقيفية-خلافا لجماعة منهم الزمخشري، حيث ظنوا أنها اختيارية، تدور مع اختيار الفصحاء، واجتهاد البلغاء، وردّ على حمزة قراءة «والأرحام»بالخفض، ومثل ما حكي عن أبي زيد، والأصمعي، ويعقوب الحضرمي أنهم خطئوا حمزة في قراءته «وما أنتم بمصرخيّ» بكسر الياء المشددة، وكذلك أنكروا على أبي عمر وإدغامه الراء في اللام في «يغفر لكم». وقال الزجاج: «إنه غلط فاحش»(3).


_______________________________


 


(1) التبيان: ص 106 للمعتصم باللّه طاهر بن صالح بن أحمد الجزائري. طبع في مطبعة المنار سنة 1334.


(2) هو عبد الرحمن بن مهدي قال في تهذيب التهذيب: 6/280، قال أحمد بن سنان: سمعت علي بن المديني يقول:


«كان عبد الرحمن بن مهدي أعلم الناس» قالها مرارا. وقال الخليلي: «ه وإمام بلا مدافعة». وقال الشافعي: «لا أعرف له نظيرا في الدنيا».


(3) التبيان: ص 87. 


 


——— 151 ——— 


 


تصريحات نفاة تواتر القرآن


 تصريحات نفاة تواتر القراءات:


وقد رأينا ومن المناسب أن نذكر من كلمات خبراء الفن ممن صرح بعدم تواتر القراءات ليظهر الحق في المسألة بأجلى صوره:


(1)


قال ابن الجزري: «كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمال، وصح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها، ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووجب على الناس قبولها سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة، أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين، ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة، أوشاذة، أوباطلة سواء كانت من السبعة أم عمن هو أكبر منهم».


هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف. صرح بذلك الإمام الحافظ أب وعمر وعثمان بن سعيد الداني، ونص عليه في غير موضع الإمام أب ومحمد مكي بن أبي طالب، وكذلك الإمام أب والعباس أحمد بن عمار المهدوي، وحققه الإمام الحافظ أب والقاسم عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة وهو مذهب السلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه.


(2)


وقال أب وشامة في كتابه المرشد الوجيز: «فلا ينبغي أن يغتر بكل قراءة تعزى إلى واحد من هؤلاء الأئمة السبعة ويطلق عليها لفظ الصحة، وانها هكذا أنزلت، إلا


 


——— 152 ———


إذا دخلت في ذلك الضابط، وحينئذ لا يتفرد بنقلها مصنف عن غيره، ولا يختص ذلك بنقلها عن غيرهم من القرّاء فذلك لا يخرجها عن الصحة، فإن الاعتماد على استجماع تلك الأوصاف لا على من تنسب اليه، فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ، غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم، وكثرة الصحيح المجمع عليه في قراءتهم: تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم»(1).


(3)


وقال ابن الجزري أيضا:


«وقد شرط بعض المتأخرين التواتر في هذا الركن ولم يكتف فيه بصحة السند، وزعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، وان ما جاء مجي‏ء الآحاد لا يثبت به قرآن. وهذا مما لا يخفى ما فيه، فإن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين من الرسم وغيره، إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواترا عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وجب قبوله، وقطع بكونه قرآنا سواء وافق الرسم أم خالفه، وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف، الثابت عن هؤلاء الأئمة السبعة وغيرهم. ولقد كنت-قبل-اجنح الى هذا القول، ثم ظهر فساده وموافقة أئمة السلف والخلف».


(4)


وقال الإمام الكبير أب وشامة في مرشده: «وقد شاع على ألسنة جماعة من المقرءين المتأخرين، وغيرهم من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة أي كل‏


_______________________________


 


(1) النشر في القراءات العشر: 1/9.


 


 ——— 153 ——— 


 


ادلة تواتر القراءات


 


فرد فرد ما روي عن هؤلاء السبعة. قالوا: والقطع بأنها منزّلة من عند اللّه واجب.


ونحن بهذا نقول، ولكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق، واتفقت عليه الفرق، من غير نكير له مع أنه شاع واشتهر واستفاض، فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها»(1).


(5)


وقال السيوطي: «وأحسن من تكلم في هذا النوع إمام القرّاء في زمانه شيخ شيوخنا أب والخير ابن الجزري. قال في أول كتابه-النشر (كل قراءة وافقت العربية... فنقل كلام ابن الجزري بطوله الذي نقلنا جملة منه آنفا. -ثم قال-قلت: أتقن الإمام ابن الجزري هذا الفصل جدا»(2).


(6)


وقال أب وشامة في كتاب البسملة: «إنا لسنا ممن يلتزم بالتواتر في الكلمات المختلف فيها بين القرّاء، بل القراءات كلها منقسمة إلى متواتر وغير متواتر، وذلك بيّن لمن أنصف وعرف، وتصفح القراءات وطرقها»(3).


(7)


وذكر بعضهم: «إنه لم يقع لأحد من الأئمة الأصوليين تصريح بتواتر القراءات،


_______________________________


 


(1) النشر في القراءات العشر: 1/13.


(2) الإتقان: 1/129، النوع 22- 27.


(3) التبيان: 1/102.


 


——— 154 ———


وقد صرح بعضهم بأن التحقيق ان القراءات السبع متواترة عن الأئمة السبعة بهذه القراءات السبع موجود في كتب القراءات، وهي نقل الواحد عن الواحد»(1).


(8)


وقال بعض المتأخرين من علماء الأثر: «ادّعى بعض أهل الأصول تواتر كلو احد من القراءات السبع، وادّعى بعضهم تواتر القراءات العشر وليس على ذلك إثارة من علم... وقد نقل جماعة من القرّاء الإجماع على أن في هذه القراءات ما هو متواتر، وفيها ما هو آحاد، ولم يقل أحد منهم بتواتر كلو احد من السبع فضلا عن العشر، وإنما هو قول قاله بعض أهل الأصول. وأهل الفن أخبر بفنهم»(2).


(9)


وقال مكي في جملة ما قال:


«وربما جعلوا الاعتبار بما اتفق عليه عاصم ونافع فإن قراءة هذين الإمامين أولى القراءات، وأصحها سندا، وأفصحها في العربية»(3).


(10)


وممن اعترف بعدم التواتر حتى في القراءات السبع: الشيخ محمد سعيد العريان في تعليقاته، حيث قال:


«لا تخلو إحدى القراءات من شواذ فيها حتى السبع المشهورة فإن فيها من ذلك أشياء». وقال أيضا:


«وعندهم أن أصح القراءات من جهة توثيق‏


_______________________________


 


(1) نفس المصدر: ص 105.


(2) التبيان: 1/106.


(3) نفس المصدر: ص 90.


 


——— 155 ———


 


ادلة تواتر القراءات


 


سندها نافع وعاصم، وأكثرها توخّيا للوجوه التي هي أفصح أب وعمرو، والكسائي»(1).


ولقد اقتصرنا في نقل الكلمات على المقدار اللازم، وستقف على بعضها الآخر أيضا بعيد ذلك.


تأمّل بربك. هل تبقى قيمة لدعوى التواتر في القراءات بعد شهادة هؤلاء الأعلام كلهم بعدمه؟ وهل يمكن إثبات التواتر بالتقليد، وباتّباع بعض من ذهب إلى تحققه من غير أن يطالب بدليل، ولا سيما إذا كانت دعوى التواتر مما يكذّبها الوجدان؟ وأعجب من جميع ذلك أن يحكم مفتي الديار الأندلسية أب وسعيد بكفر من أنكر تواترها!!! لنفرض أن القراءات متواترة، عند الجميع، فهل يكفر من أنكر تواترها إذا لم تكن من ضروريات الدين، ثم لنفرض أنها بهذا التواتر الموهوم أصبحت من ضروريات الدين، فهل يكفر كل أحد بإنكارها حتى من لم يثبت عنده ذلك؟!اللهم إنّ هذه الدعوى جرأة عليك، وتعدّ لحدودك، وتفريق لكلمة أهل دينك!!!


أدلة تواتر القراءات:


وأما القائلون بتواتر القراءات السبع فقد استدلوا على رأيهم بوجوه:


الأول: دعوى قيام الإجماع عليه من السلف إلى الخلف، وقد وضح للقارئ فساد هذه الدعوى، على أن الإجماع لا يتحقق باتفاق أهل‏


_______________________________


 


(1) اعجاز القرآن للرافعي: ص 52، 53، الطبعة الرابعة.


 


——— 156 ———


مذهب واحد عند مخالفة الآخرين. وسنوضح ذلك في الموضع المناسب إن شاء اللّه تعالى.


الثاني: ان اهتمام الصحابة والتابعين بالقرآن يقضي بتواتر قراءته، وإن ذلك واضح لمن أنصف نفسه وعدل.


الجواب:


إن هذا الدليل إنما يثبت تواتر نفس القرآن، لا تواتر كيفية قراءته، وخصوصا مع كون القراءة عند جمع منهم مبتنية على الاجتهاد، أوعلى السماع ولو من الواحد. وقد عرفت ذلك مما تقدم، ولو لا ذلك لكان مقتضى هذا الدليل أن تكون جميع القراءات متواترة، ولا وجه لتخصيص الحكم بالسّبع أوالعشر. وسنوضح للقارئ أن حصر القراءات في السبع إنما حدث في القرن الثالث الهجري، ولم يكن له قبل هذا الزمان عين ولا أثر، ولازم ذلك أن نلتزم إما بتواتر الجميع من غير تفرقة بين القراءات، وإما بعدم تواتر شى‏ء منها في مورد الاختلاف، والأول باطل قطعا فيكون الثاني هو المتعين.


الثالث: ان القراءات السبع لو لم تكن متواترة لم يكن القرآن متواترا والتالي باطل بالضرورة فالمقدم مثله: ووجه التلازم أن القرآن إنما وصل إلينا بتوسط حفّاظه، والقرّاء المعروفين، فإن كانت قراءاتهم متواترة فالقرآن متواتر، وإلا فلا. وإذن فلا محيص من القول بتواتر القراءات.


الجواب:


1- ان تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات، لأن الاختلاف في كيفية الكلمة لا ينافي الاتفاق على أصلها، ولهذا نجد أن اختلاف الرواة في بعض ألفاظ قصائد


 


——— 157 ———


 


القراءات والاحرف السبعة


 


 


المتنبي-مثلا-لا يصادم تواتر القصيدة عنه وثبوتها له: وان اختلاف الرواة في خصوصيات هجرة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لا ينافي تواتر الهجرة نفسها.


2- ان الواصل إلينا بتوسّط القرّاء إنما هو خصوصيات قراءاتهم. وأما أصل القرآن فهو واصل إلينا بالتواتر بين المسلمين، وبنقل الخلف عن السلف. وتحفظهم على ذلك في صدورهم وفي كتاباتهم، ولا دخل للقراء في ذلك أصلا، ولذلك فإن القرآن ثابت التواتر حتى لو فرضنا أن هؤلاء القرّاء السبعة أوالعشرة لم يكونوا موجودين أصلا. وعظمة القرآن أرقى من أن تتوقف على نقل أولئك النفر المحصورين.


الرابع: ان القراءات لو لم تكن متواترة لكان بعض القرآن غير متواتر مثل «ملك»و «مالك» ونحوهما... فإن تخصيص أحدهما تحكّم باطل. وهذا الدليل ذكره ابن الحاجب وتبعه جماعة من بعده.


الجواب:


1- ان مقتضى هذا الدليل الحكم بتواتر جميع القراءات، وتخصيصه بالسبع أيضا تحكّم باطل. ولا سيما أن في غير القرّاء السبعة من هو أعظم منهم وأوثق، كما اعترف به بعضهم، وستعرف ذلك. ولو سلمنا أن القرّاء السبعة أوثق من غيرهم، وأعرف بوجوه القراءات، فلا يكون هذا سببا لتخصيص التواتر بقراءاتهم دون غيرهم. نعم ذلك يوجب ترجيح قراءاتهم على غيرها في مقام العمل. وبين الأمرين بعد المشرقين، والحكم بتواتر جميع القراءات باطل بالضرورة.


2- ان الاختلاف في القراءة إنما يكون سببا لالتباس ما هو القرآن بغيره، وعدم تميزه من حيث الهيئة أومن حيث الإعراب، وهذا لا ينافي تواتر أصل القرآن.


 


——— 158 ———


فالمادة متواترة وإن اختلف في هيئتها أوفي إعرابها، وإحدى الكيفيتين أوالكيفيات من القرآن قطعا وإن لم تعلم بخصوصها.


تعقيب:


ومن الحق إن تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات. وقد اعترف بذلك الزرقاني حيث قال: يبالغ بعضهم في الإشادة بالقراءات السبع، ويقول من زعم أن القراءات السبع لا يلزم فيها التواتر فقوله كفر، لأنه يؤدي إلى عدم تواتر القرآن جملة، ويعزى هذا الرأي إلى مفتي البلاد الأندلسية الأستاذ أبي سعيد فرج ابن لب، وقد تحمّس لرأيه كثيرا وألف رسالة كبيرة في تأييد مذهبه. والرد على من رد عليه، ولكن دليله الذي استند اليه لا يسلم. فإن القول بعدم تواتر القراءات السبع لا يستلزم القول بعدم تواتر القرآن، كيف وهناك فرق بين القرآن والقراءات السبع، بحيث يصح أن يكون القرآن متواترا في غير القراءات السبع، أوفي القدر الذي اتفق عليه القرّاء جميعا. أوفي القدر الذي اتفق عليه عدد يؤمن تواطؤهم على الكذب قرّاء كانوا أوغير قرّاء(1).


وذكر بعضهم: ان تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات، وانه لم يقع لأحد من أئمة الأصوليين تصريح بتواتر القراءات وتوقف تواتر القرآن على تواترها، كما وقع لابن الحاجب‏(2).


قال الزركشي في «البرهان»: للقرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم للبيان والاعجاز، والقراءات اختلاف ألفاظ الوحي‏


_______________________________


 


(1) مناهل العرفان: ص 248.


(2) التبيان: ص 105.


 


——— 159 ———


 


 القراءات والاحرف السبعة


 المذكور في الحروف، وكيفيتها من تخفيف وتشديد غيرهما، والقراءات السبع متواترة عند الجمهور، وقيل بل هي مشهورة. (وقال أيضا: ) والتحقيق انها متواترة عن الأئمة السبعة. أما تواترها عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ففيه نظر، فإن اسنادهم بهذه القراءات السبع موجود في كتب القراءات، وهي نقل الواحد عن الواحد(1).


القراءات والأحرف السبعة:


قد يتخيل أن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن هي القراءات السبع، فيتمسك لإثبات كونها من القرآن بالروايات التي دلت على أن القرآن نزل على سبعة أحرف، فلا بد لنا أن ننبه على هذا الغلط، وان ذلك شى‏ء لم يتوهمه أحد من العلماء المحققين.


هذا إذا سلمنا ورود هذه الروايات، ولم نتعرض لها بقليلو لا كثير. وسيأتي الكلام على هذه الناحية.


والأولى أن نذكر كلام الجزائري في هذا الموضع. قال:


«لم تكن القراءات السبع متميزة عن غيرها، حتى قام الإمام أب وبكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد- وكان على رأس الثلاثمائة ببغداد-فجمع قراءات سبعة من مشهوري أئمة الحرمين والعراقين والشام، وهم: نافع، وعبد اللّه بن كثير، وأب وعمر وبن العلاء، وعبد اللّه بن عامر، وعاصم، وحمزة، وعلي الكسائي. وقد توهم بعض الناس أن القراءات السبعة هي الأحرف السبعة، وليس الأمر كذلك...


وقد لام كثير من العلماء ابن مجاهد على‏ اختياره عدد السبعة، لما فيه من الإيهام...


قال أحمد بن عمار المهدوي: لقد فعل مسبّع هذه السبعة ما لا ينبغي له، وأشكل الأمر


_______________________________


 


(1) الإتقان: 1/138، النوع 22- 27.


 


——— 160 ———


على العامة بايهامه كل من قلّ نظره أن هذه القراءات هي المذكورة في الخبر، وليته إذ اقتصر نقص عن السبعة أوزاد ليزيل الشبهة...».


وقال الأستاذ إسماعيل بن إبراهيم بن محمد القراب في الشافي: «التمسك بقراءة سبعة من القرّاء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سنة، وإنما هو من جمع بعض المتأخرين، لم يكن قرأ بأكثر من السبع، فصنف كتابا، وسماه كتاب السبعة، فانتشر ذلك في العامة...».


وقال الإمام أب ومحمد مكي: «قد ذكر الناس من الأئمة في كتبهم أكثر من سبعين ممن هو أعلى رتبة، وأجل قدرا من هؤلاء السبعة... فكيف يجوز أن يظن ظان أن هؤلاء السبعة المتأخرين، قراءة كلو احد منهم أحد الحروف السبعة المنصوص عليها-هذا تخلّف عظيم- أكان ذلك بنص من النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أم كيف ذلك!!! وكيف يكون ذلك؟ والكسائي إنما ألحق بالسبعة بالأمس في أيام المأمون وغيره- وكان السابع يعقوب الحضرمي- فأثبت ابن مجاهد في سنة ثلاثمائة ونحوها الكسائي موضع يعقوب»(1).


وقال الشرف المرسي: «وقد ظن كثير من العوام أن المراد بها-الأحرف السبعة-القراءات السبع، وهو جهل قبيح»(2).


وقال القرطبي: «قال كثير من علمائنا كالداودي، وابن أبي سفرة وغيرهما: هذه‏ القراءات السبع،


_______________________________


 


(1) التبيان: 1/82.


(2) نفس المصدر: 61.


 


 ——— 161 ———


 


حجية القراءات


 التي تنسب لهؤلاء القرّاء السبعة ليست هي الأحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها، وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من تلك السبعة، وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف. ذكره ابن النحاس وغيره وهذه القراءات المشهورة هي اختيارات أولئك الأئمة القرّاء»(1).


وتعرض ابن الجزري لإبطال توهم من زعم أن الأحرف السبعة، التي نزل بها القرآن مستمرة إلى اليوم. فقال:


«وأنت ترى ما في هذا القول، فإن القراءات المشهورة اليوم عن السبعة والعشرة، والثلاثة عشر بالنسبة إلى ما كان مشهورا في الاعصار الاول، قلّ من كثر، ونزر من بحر، فإن من له اطلاع على ذلك يعرف علمه العلم اليقين، وذلك أن القرّاء الذين أخذوا عن أولئك الأئمة المتقدمين من السبعة، وغيرهم كانوا أمما لا تحصى، وطوائف لا تستقصى، والذين أخذوا عنهم أيضا أكثر وهلم جرا. فلما كانت المائة الثالثة، واتسع الخرق وقلّ الضّبط، وكان علم الكتاب والسنّة أوفر ما كان في ذلك العصر، تصدّى بعض الأئمة لضبط ما رواه من القراءات، فكان أول إمام معتبر جمع القراءات في كتاب أب وعبيد القاسم بن سلام، وجعلهم-فيما أحسب-خمسة وعشرين قارئا مع هؤلاء السبعة وتوفي سنة 224 وكان بعده أحمد بن جبير بن محمد الكوفي نزيل أنطاكية، جمع كتابا في قراءات الخمسة، من كل مصر واحد. وتوفي سنة 258 وكان بعده القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي صاحب قالون، ألّف كتابا في القراءات جمع فيه قراءة عشرين إماما، منهم هؤلاء السبعة. توفي سنة 282 وكان بعده الإمام أب وجعفر محمد بن جرير الطبري، جمع كتابا سماه «الجامع» فيه نيف وعشرون قراءة.


_______________________________


 


(1) تفسير القرطبي: 1/46.


 


——— 162 ———


توفي سنة 310 وكان بعيده أب وبكر محمد بن أحمد بن عمر الداجوني، جمع كتابا في القراءات، وأدخل معهم أبا جعفر أحد العشرة. وتوفي سنة 324، وكان في أثره أب وبكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد، أول من اقتصر على قراءات هؤلاء السبعة فقط، وروى فيه عن هذا الداجوني، وعن ابن جرير أيضا. وتوفي سنة 324».


ثم ذكر ابن الجزري جماعة ممن كتب في القراءة. فقال:


«وإنما أطلنا هذا الفصل، لما بلغنا عن بعض من لا علم له أن القراءات الصحيحة هي التي عن هؤلاء السبعة، أوأن الأحرف السبعة التي أشار إليها النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم هي قراءة هؤلاء السبعة، بل غلب على كثير من الجهال أن القراءات الصحيحة هي التي في «الشاطبية والتيسير»، وأنها هي المشار إليها بقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنزل القرآن على سبعة أحرف، حتى أن بعضهم يطلق على ما لم يكن في هذين الكتابين أنه شاذ، وكثير منهم يطلق على ما لم يكن عن هؤلاء السبعة شاذا، وربما كان كثير مما لم يكن في «الشاطبية والتيسير»، وعن غير هؤلاء السبعة أصح من كثير مما فيهما، وإنما أوقع هؤلاء في الشبهة كونهم سمعوا «أنزل القرآن على سبعة أحرف» وسمعوا قراءات السبعة فظنوا أن هذه السبعة هي تلك المشار إليها، ولذلك كره كثير من الأئمة المتقدمين اقتصار ابن مجاهد على سبعة من القرّاء، وخطّئوه في ذلك، وقالوا: ألا اقتصر على دون هذا العدد أوزاده، أوبيّن مراده ليخلص من لا يعلم من هذه الشبهة. ثم نقل ابن الجزري-بعد ذلك-عن ابن عمار المهدوي، وأبي محمد مكي ما تقدم نقله عنهما آنفا»(1).


_______________________________


 


(1) النشر في القراءات العشر: 1/33- 37.


 


——— 163 ———


حجية القراءات


 قال أب وشامة: «ظنّ قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي‏ أريدت في الحديث، وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة، وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل»(1).


وبهذا الاستعراض قد استبان للقارئ، وظهر له ظهورا تاما أن القراءات ليست متواترة عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ولا عن القراء أنفسهم، من غير فرق بين السبع وغيرها، ولو سلّمنا تواترها عن القراء فهي ليست متواترة عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قطعا. فالقراءات إما أن تكون منقولة بالآحاد، وإما أن تكون اجتهادات من القراء أنفسهم، فلا بد لنا من البحث في موردين:


1- حجية القراءات:


ذهب جماعة إلى حجية هذه القراءات، فجوّزوا أن يستدل بها على الحكم الشرعي، كما استدل على حرمة وطئ الحائض بعد نقائها من الحيض وقبل أن تغتسل، بقراءة الكوفيين-غير حفص-قوله تعالى:


(وَلاََ تَقْرَبُوهُنَّ حَتََّى يَطْهُرْنَ) بالتشديد.


الجواب:


ولكن الحق عدم حجية هذه القراءات، فلا يستدل بها على الحكم الشرعي.


والدليل على ذلك أن كلو احد من هؤلاء القراء يحتمل فيه الغلط والاشتباه، ولم يرد دليل من العقل، ولا من الشرع على وجوب اتباع قارئ منهم بالخصوص، وقد استقل العقل، وحكم الشرع بالمنع عن اتباع غير العلم. وسيأتي توضيح ذلك إن شاء اللّه تعالى.


_______________________________


 


(1) الإتقان: 1/138، النوع 22- 27.


 


——— 164 ———


ولعل أحدا يحاول أن يقول: إن القراءات- وإن لم تكن متواترة-إلا أنها منقولة عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فتشملها الأدلة القطعية التي أثبتت حجية الخبر الواحد، وإذا شملتها هذه الأدلة القطعية خرج الاستناد إليها عن العمل بالظن بالورود، أوالحكومة، أوالتخصيص‏(1).


الجواب:


أولا: ان القراءات لم يتضح كونها رواية، لتشملها هذه الأدلة، فلعلها اجتهادات من القراء، ويؤيد هذا الاحتمال ما تقدم من تصريح بعض الأعلام بذلك، بل إذا لاحظنا السبب الذي من أجله اختلف القراء في قراءاتهم- وهو خلوّ المصاحف المرسلة إلى الجهات من النقط والشكل-يقوى هذا الاحتمال جدا.


قال ابن أبي هاشم: «إن السبب في اختلاف القراءات السبع وغيرها. ان الجهات التي وجهت إليها المصاحف كان بها من الصحابة من حمل عنه أهل تلك الجهة وكانت المصاحف خالية من النقط والشكل. قال: فثبت أهل كل ناحية على ما كانوا تلقوه سماعا عن الصحابة، بشرط موافقة الخط، وتركوا ما يخالف الخط... فمن ثم نشا الاختلاف بين قراء الأمصار»(2).


وقال الزرقاني: «كان العلماء في الصدر الأول يرون كراهة نقط المصحف وشكله، مبالغة منهم في‏


_______________________________


 


(1) وقد أوضحنا الفرق بين هذه المعاني في مبحث «التعادلو الترجيح» في محاضراتنا الاصولية المنتشرة.


(المؤلف).


(2) التبيان: ص 86.


 


 ——— 165 ———


 


جواز القراءة بها في الصلاة


 


المحافظة على أداء القرآن كما رسمه المصحف، وخوفا من أن يؤدي ذلك إلى التغيير فيه... ولكن الزمان تغيّر-كما علمت-فاضطر المسلمون إلى إعجام المصحف وشكله لنفس ذلك السبب، أي للمحافظة على أداء القرآن كما رسمه المصحف، وخوفا من أن يؤدي تجرّده من النقط والشكل إلى التغيير فيه»(1).


ثانيا: ان رواة كل قراءة من هذه القراءات، لم يثبت وثاقتهم أجمع، فلا تشمل أدلة حجية خبر الثقة روايتهم. ويظهر ذلك مما قدّمناه في ترجمة أحوال القراء ورواتهم.


ثالثا: إنا لو سلمنا أن القراءات كلها تستند إلى الرواية، وأن جميع رواتها ثقات، إلا أنّا نعلم علما إجماليا أن بعض هذه القراءات لم تصدر عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قطعا، ومن الواضح أن مثل هذا العلم يوجب التعارض بين تلك الروايات وتكون كلو احدة منها مكذبة للاخرى، فتسقط جميعها عن الحجية، فإن تخصيص بعضها بالاعتبار ترجيح بلا مرجح، فلا بد من الرجوع إلى مرجحات باب المعارضة، وبدونه لا يجوز الاحتجاج على الحكم الشرعي بواحدة من تلك القراءات.


وهذه النتيجة حاصلة أيضا إذا قلنا بتواتر القراءات. فإن تواتر القراءتين المختلفتين عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يورث القطع بأن كل من القراءتين قرآن منزل من اللّه، فلا يكون بينهما تعارض بحسب السند، بل يكون التعارض بينهما بحسب الدلالة. فإذا علمنا إجمالا أن أحد الظاهرين غير مراد في الواقع فلا بد من القول بتساقطهما، والرجوع إلى الأصل اللفظي أوالعملي، لأن أدلة الترجيح، أوالتخيير تختص بالأدلة التي يكون سندها ظنيا، فلا تعمّ ما يكون صدوره قطعيا. وتفصيل ذلك كله في بحث «التعادلو الترجيح» من علم الأصول.


_______________________________


 


(1) مناهل العرفان: ص 402، الطبعة الثانية.


 


——— 166 ———


2- جواز القراءة بها في الصلاة:


ذهب الجمهور من علماء الفريقين إلى جواز القراءة بكلو احدة من القراءات السبع في الصلاة، بل ادعي على ذلك الإجماع في كلمات غير واحد منهم، وجوّز بعضهم القراءة بكلو احدة من العشر، وقال بعضهم بجواز القراءة بكل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا، وصحّ سندها، ولم يحصرها في عدد معين.


والحق: ان الذي تقتضيه القاعدة الأولية، هو عدم جواز القراءة في الصلاة بكل قراءة لم تثبت القراءة بها من النبي الأكرم صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أومن أحد أوصيائه المعصومين (عليهم السّلام) لأن الواجب في الصلاة هو قراءة القرآن فلا يكفي قراءة شى‏ء لم يحرز كونه قرآنا، وقد استقلّ العقل بوجوب إحراز الفراغ اليقيني بعد العلم باشتغال الذمة، وعلى ذلك فلا بدّ من تكرار الصلاة بعدد القراءات المختلفة أوتكرار مورد الاختلاف في الصلاة الواحدة، لإحراز الامتثال القطعي، ففي سورة الفاتحة يجب الجمع بين قراءة «مالك»، وقراءة «ملك». أما السورة التامة التي تجب قراءتها بعد الحمد-بناء على الأظهر- فيجب لها إما اختيار سورة ليس فيها اختلاف في القراءة، وإما التكرار على النح والمتقدم.


وأما بالنظر إلى ما ثبت قطعيا من تقرير المعصومين-(عليهم السّلام)-شيعتهم على القراءة، بأيّة واحدة من القراءات المعروفة في زمانهم، فلا شك في كفاية كلو احدة منها. فقد كانت هذه القراءات معروفة في زمانهم، ولم يرد عنهم أنهم ردعوا عن بعضها، ولو ثبت الردع لوصل إلينا بالتواتر، ولا أقل من نقله بالآحاد، بلو رد


 


 ——— 167 ———


 جواز القراءة بها في الصلاة


 


عنهم (عليهم السّلام) إمضاء هذه القراءات بقولهم: «اقرأ كما يقرأ الناس»(1). «اقرءوا كما علّمتم»(2). وعلى ذلك فلا معنى لتخصيص الجواز بالقراءات السبع أوالعشر، نعم يعتبر في الجواز أن لا تكون القراءة شاذة، غير ثابتة بنقل الثقات عند علماء أهل السنة، ولا موضوعة، أما الشاذة فمثالها قراءة، ملك يوم الدينبصيغة الماضي ونصب يوم، وأما الموضوعة فمثالها قراءة (إِنَّمََا يَخْشَى اَللََّهَ مِنْ عِبََادِهِ اَلْعُلَمََاءُ) برفع كلمة اللّه ونصب كلمة العلماء على قراءة الخزاعي عن أبي حنيفة.


وصفوة القول: أنه تجوز القراءة في الصلاة بكل قراءة كانت متعارفة في زمان أهل البيت (عليهم السّلام).


_______________________________


 


(1) الكافي: 2/633، باب النوادر، الحديث: 23.


(2) الكافي: 2/631، كتاب فضل القرآن، باب النوادر، الحديث: 15.


 










(البيان - ص ١٤٧ - ١٦٧)